فصل: الشاهد الحادي والستون بعد الخمسمائة(br)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الرابع والخمسون بعد الخمسمائة

الطويل

كسامعتي شاةٍ بحومل مفرد

على أنه إذا كانت المؤنث اللفظي حقيقي التذكير، جاز في ضميره التذكير والتأنيث‏.‏ وشاة هنا مؤنثة لفظاً، ومعناها الثور الوحشي، وقد رجع إليه ضميره في وصفه، وهو مفرد مذكر، رعايةً لجهة المعنى‏.‏

قال ابن السكيت في كتاب المؤنث والمذكر‏:‏ ما جاءك من الجمع مثل الشاء والبقر والحصى فهذا اسمٌ موضوع، فإذا أرادت العرب إفراد واحده، قالوا‏:‏ شاة، للذكر والأنثى‏.‏

ولم يرد بالهاء التأنيث المحض، إنما أرادوا الواحد، فكرهوا أن يقولوا‏:‏ عندي جراد، وهم يريدون الواحد من الجراد، فلا يعرف جمعٌ من واحد، فجعلت الهاء دليلاً على الواحد‏.‏ فهذا قياس مطرد‏.‏

وهذا عجزٌ، وصدره‏:‏

مؤللتان تعرف العتق فيهما

وقبله‏:‏

وصادقتا سمع التوجس للسرى *** لجرسٍ خفيٍّ ولصوتٍ مندد

وهما من معلقة طرفة بن العبد المشهورة‏.‏

وصف ناقته بعدة أبيات إلى أن وصف أذنيها، فقال‏:‏ وصادقتا سمع إلخ، يعني‏:‏ أذنيها، أي‏:‏ لا تكذبها إذا سمعت شيئاً‏.‏ والتوجس‏:‏ الخوف والحذر من شيءٍ يسمع‏.‏

وقوله‏:‏ للسرى، أي‏:‏ في السرى‏.‏ والجرس، بفتح الجيم‏:‏ الصوت الخفي‏.‏ والمندد، بفتح الدال المشددة‏:‏ الصوت المرفوع المبين‏.‏

وقوله‏:‏ مؤللتان صفة صادقتا، أي‏:‏ محددتان كتحديد الألة، بفتح الهمزة وتشديد اللام، وهي الحربة‏.‏ ويريد أن أذنيها كالحربة في الانتصاب‏.‏ والعتق‏:‏ الكرم والنجابة‏.‏ أي‏:‏ أنت تتبين الكرم فيهما إذا نظرت إليهما، لتحديدهما، وقلة وبرهما‏.‏

قال الخطيب التبريزي‏:‏ العتق هنا في الأذنين‏:‏ أن لا يكون في داخلهما وبر، فهو أجود لسمعهما‏.‏ والسامعتان‏:‏ الأذنان‏.‏

قال شراح المعلقة‏:‏ الشاة هنا‏:‏ الثور الوحشي، ولهذا قال‏:‏ مفرد بلا هاءٍ‏.‏ وحومل‏:‏ اسم رملة، لا ينصرف‏.‏

وشبه أذني ناقته بأذني ثور وحشي، لتحديدهما وصدق سمعهما‏.‏ وأذن الوحشي أصدق من عينه‏.‏ وجعله مفرداً لأنه أشد توجساً وحذراً، إذ ليس معه وحشٌ يلهيه ويشغله، فانفراده أشد لسمعه وارتياعه‏.‏

وترجمة طرفة بن العبد تقدمت في الشاهد الثاني والخمسين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ المتقارب

فلا مزنةٌ ودقت ودقه *** ولا أرض أبقل إبقالها

تقدم شرحه مفصلاً في الشاهد الثاني أول الكتاب‏.‏

وأنشد بعده

الشاهد الخامس والخمسون بعد الخمسمائة

الطويل

حلفت بهديٍ مشعرٍ بكراته *** يخب بصحراء الغبيط درادقه

على أن تأنيث نحو الزينبات مجازي، لا يجب له تأنيث المسند، بدليل البيت، فإن البكرات كالزينبات، ولم يؤنث له المسند، وهو مشعر‏.‏

وهذا ظاهر‏.‏

وقد خطأ المبرد في كتاب الروضة قول أبي نواس‏:‏ المديد

كمن الشنآن منه لن *** ككمون النار في حجره

وقال‏:‏ كان يجب أن يقول في حجرها، لأن النار مؤنثة‏.‏ وأجابوا عنه بأن أبا نواس أراد‏:‏ ككمون النار في حجر الكمون‏.‏

والبيت من قصيدة لعارق الطائي، عدتها في رواية أبي تمام في الحماسة أحد عشر بيتاً، وفي رواية الأعلم‏:‏ في حماسته أربعة عشر بيتاً‏.‏

وبعده‏.‏ وهو آخر القصيدة‏:‏

لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم *** لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه

وبهذا البيت سمي عارقاً، واسمه قيس كما يأتي‏.‏

خاطب بها عمرو بن هند ملك الحيرة، وقيل‏:‏ أخاه المنذر بن المنذر بن ماء السماء‏.‏ كان أحدهما بعث جيشاً للغزو، فلم يصيبوا أحداً وأخفقوا، فمروا بحيٍّ من طيىءٍ في حمى الملك فاستاقهم، وكان قد أرعاهم الحمى، وكتب لهم بذلك عهداً، فلما قدموا بهم إلى الملك شاور فيهم زرارة بن عدس الدارمي، فأشار عليه بقتل المقاتلة منهم، واستعباد ذراريهم، فقام رجلٌ منهم، وقال‏:‏ هذا كتابك لنا‏.‏ فأجرى عليهم الملك رزقاً، فارتجل عارق هذا الشعر، فلما سمعه الملك أحسن إليهم وخلى سبيلهم‏.‏

وقوله‏:‏ حلفت بهديٍ إلخ، الهدي‏:‏ ما يهدى إلى الحرم من النعم‏.‏ يقال‏:‏ أهديت الهدي إلى الحرم، أي‏:‏ سقته إليه‏.‏ ومشعر‏:‏ اسم مفعول من الإشعار، وهو أن يطعن في السنام، فيسيل الدم عليه، فيستدل بذلك على كونه هدياً‏.‏ وجعل الهدي دالاً على الجنس‏.‏ وما بعده صفته، وهو مشعرٍ، وبكراته مرفوع بمشعر، وهو جمع بكرة، وهي الشابة من الإبل‏.‏

وخب يخب خبباً، كطلب يطلب طلباً‏.‏ والخبب‏:‏ ضربٌ من العدو، وهو خطو فسيح‏.‏ والباء بمعنى في‏.‏ والغبيط، بفتح الغين المعجمة وكسر الموحدة‏:‏ موضعٌ قريب من فلج في طريق البصرة إلى مكة‏.‏ والدرادق‏:‏ جمع دردق كجعفر، وهو صغار الإبل‏.‏ والضمير في بكراته ودرادقه للهدي‏.‏

وقوله‏:‏ لئن لم تغير إلخ، هذه اللام هي اللام الموطئة، وطأت الجواب الآتي للقسم الذي قبل الشرط، سواء كان القسم قبلها موجوداً كما هن وغير موجود، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لئن أخرجوا لا يخرجون‏}‏‏.‏ ولا يجوز أن تكون هذه اللام لام جواب القسم بأن يكون الجواب للشرط، ومجموع الشرط وجوابه جواب القسم، إذ لو كانت كذلك لجاز جزم الفعل في قولك‏:‏ لئن أكرمتني أكرمك، بالجزم، والتالي باطل والمقدم مثله‏.‏

وقد أجمع النحاة على أن الفعل الثاني واجب الرفع‏.‏ فإن قلت‏:‏ فما جواب الشرط‏؟‏ قلت‏:‏ محذوف دل عليه جواب القسم‏.‏ وتغير بالخطاب‏.‏

وروي‏:‏ بالغيبة على البناء للمفعول ورفع بعض‏.‏

وقوله‏:‏ لأنتحين اللام لام جواب القسم، وأنتحين مؤكد بالنون الخفيفة، جواب للقسم في البيت قبله وهو حلفت‏.‏ والانتحاء للشيء‏:‏ التعرض له، والاعتماد والميل‏.‏

وروى‏:‏ لأنتحين العظم بنون التوكيد الثقيلة وبلام التعريف بعدها‏.‏ وذو صفة للعظم، وهو في لغة طيىء بمعنى الذي‏.‏ وجملة‏:‏ أنا عارقه صلته‏.‏

وبه أورده الزمخشري في المفصل، قال‏:‏ ومن الموصلات ذو الطائية‏.‏ وأنشد البيت‏.‏ وعارق‏:‏ اسم فاعل من عرقت العظم عرقاً، من باب قتل‏:‏ أكلت ما عليه من اللحم‏.‏ جعل شكواه كالعرق، وجعل ما بعده إن لم يغير ما صنعه تأثيراً في العظم‏.‏

يقول‏:‏ حلفت أيها الملك بقرابين الحرم وقد أعلمت بكراتها بعلامة الإهداء، يخب بصحراء ذلك الموضع صغارها، إن لم تعير بعض ما صنعته، ولم تتدارك ما فاتنا من عدلك، لأميلن على كسر العظم الذي أخذت ما عليه من اللحم‏.‏

جعل شكواه وتقبيحه لما أتاه كالعرق، وجعل ما بعده إن لم يغير تأثيراً في العظم نفسه‏.‏ وقد أحسن في التوعد، وفي الكناية عن فعله وعما يهم به بعده‏.‏ ومعناه‏:‏ أكسر عظمكم بعد هذا التهديد، إن لم ترجعوا عن هذا الظلم‏.‏

وعارقٌ اسمه قيس بن جروة بن سيف بن وائلة بن عمرو بن مالك بن أمان، ويقال لأولاده‏:‏ الأجئيون، لإقامتهم بأجأ، وهو أحد جبلي طيىء‏.‏ وأمان هو ابن ربيعة بن جرول بن ثعل الطائي‏.‏ كذا في جمهرة الأنساب‏.‏ ويقال له‏:‏ الأجئي لما ذكرنا‏.‏ وهو شاعرٌ جاهلي أورد أبو تمام من شعره في عدة مواضع من الحماسة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السادس والخمسون بعد الخمسمائة

البسيط

لو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي *** بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

على أن بنون لتغير مفرده في الجمع أشبه جمع المسكر، فجاز تأنيث الفعل المسند إليه، كما يجوز في الأبناء الذي هو جمع مكسر، كما أسند في البيت لم تستبح بتاء التأنيث في أوله إلى بنو‏.‏

وهذا ظاهر‏.‏

والبيت أول أبياتٍ ثمانية، هي أول الحماسة، لقريط بن أنيف العنبري، وبعده‏:‏

إذن لقام بنصري معشرٌ خشنٌ *** عند الحفيظة إن ذو لوثةٍ لانا

قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم *** طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا

لا يسألون أخاهم حين يندبهم *** في النائبات على ما قال برهانا

لكن قومي وإن كانوا ذوي عددٍ *** ليسوا من الشر في شيءٍ وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةً *** ومن إساءة أهل السوء إحسانا

كأن ربك لم يخلق لخشيته *** سواهم من جميع الناس إنسانا

فليت لي بهم قوماً إذا ركبو *** شنوا الإغارة فرساناً وركبانا

قال أبو عبيدة‏:‏ أغار ناسٌ من بني شيبان على رجل من بني العنبر، يقال له‏:‏ قريط بن أنيف، فأخذوا له ثلاثين بعيراً، فاستنجد قومه فلم ينجدوه، فأتى مازن تميم، فركب معه نفرٌ فأطردوا لبني شيبان مائة بعير، فدفعوها إليه، فقال هذه الأبيات‏.‏ انتهى‏.‏ ومازن‏:‏ هنا هو ابن مالك بن عمرو بن تميم، أخي العنبر بن عمرو بن تميم‏.‏ وإذا كان كذلك، فمدح هذا الشاعر لهم يجري مجرى الافتخار بهم‏.‏

قال المرزوقي‏:‏ قصد الشاعر في هذه الأبيات إلى بعث قومه على الانتقام له من أعدائه، لا إلى ذمهم‏.‏ وكيف يذمهم، ووبال الذم راجعٌ إليه‏؟‏ لكنه سلك طريقة كبشة أخت عمرو بن معديكرب في قولها‏:‏ الطويل

ودع عنك عمراً إن عمراً مسالمٌ *** وهل بطن عمرٍو غير شبرٍ لمطعم

فإنها لا تهجو أخاها، وعمرٌو هو الذي كان يعد بألف فارس، ولكن مرادها تهييجه‏.‏ والاستباحة‏:‏ الإباحة‏.‏ وقيل الإباحة‏:‏ التخلية بين الشيء وبين طالبه، والاستباحة‏:‏ اتخاذ الشيء مباحاً‏.‏ والأصل في الإباحة إظهار الشيء للناظر ليتناوله من شاء، ومنه‏:‏ باح بسره‏.‏ واللقيطة إنما ألحق بها الهاء، وإن كانت فعيلاً بمعنى مفعول، لأنها جعلت اسماً ولم تتبع موصوفاً كالذبيحة‏.‏

كذا في شروح الحماسة‏.‏ ولا مناسبة للقيطة هنا لأنها فزارية، لا اتصال لها بذهل بن شيبان‏.‏ والصواب‏:‏ بنو الشقيفة كما يأتي‏.‏

وأول من شرح على اللقيطة واتبعوه‏:‏ أبو عبد الله النمري، أول من شرح الحماسة‏.‏ قال‏:‏ اللقيطة نبزٌ نبزهم الشاعر به، وليس بنسبٍ لهم، جعل أمهم ملقوطة، وأخرجها مخرج النطيحة والرمية‏.‏ هذا كلامه‏.‏

ورد عليه الأسود أبو محمد الأعرابي، فيما كتبه على ذلك الشرح، قال‏:‏ هذا موضع المثل‏:‏ أول الدن درديٌّ‏.‏

هذا أول بيت من الحماسة جهل جهة الصواب في صحة متنه، واستواء نظامه، فاشتغل بوزن اللقيطة وذكر النطيحة‏.‏ والصواب إن شاء الله ما أنشدناه أبو الندى، وذكر أنه لقريط بن أنيف العنبري‏:‏

لو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي *** بنو الشقيفة من ذهل بن شيبانا

قال‏:‏ الشقيفة هي بنت عباد بن زيد بن عوف بن ذهل بن شيبان‏.‏ وهي أم سيار، وسمير، وعبد الله، وعمرو، أولاد سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان‏.‏ وهم سيارةٌ مردة، ليس يأتون على شيءٍ إلا أفسدوه‏.‏

قال‏:‏ وأما اللقيطة، وليس هذا موضعها، فهي أم حصن بن حذيفة وإخوته، وهم خمسة، واسمها نضيرة بنت عصيم بن مروان بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة‏.‏

وإنما ألحق بها هذا الاسم لأن أباها لم يكن له ولد غيرها، والعرب ذاك الدهر تئد الجواري، فلما رآها انتشرت نفسه عليها ورق لها، وقال لأمها‏:‏ استرضعيها وأخفيها من الناس‏.‏

فكان أول من فطن لها حمل بن بدر، فقال لأخيه حذيفة - وتحته العذرية ليس له ولدٌ إلا منها، وهو مسهر، وبه كان يكتنى -‏:‏ مالك لا تتزوج وتجمع النساء نرزق منك عضداً‏؟‏ قال‏:‏ ومن لي بالنساء التي تشبهني وتلائمني‏؟‏ قد علمت ما لقيت من العذرية وطلبها قال‏:‏ قد التقطت لك امرأة ترضاها وتشبهك‏.‏ قال‏:‏ من هي‏؟‏ قال‏:‏ بنت ٌ لعصيم بن مروان بن وهب‏.‏ قال‏:‏ وإن له لبنتاً‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فإني لم أسمع بها‏.‏ قال‏:‏ كانت مخفاة وقد خبرت خبرها‏.‏ قال‏:‏ فأنت رسولي إلى عصيم فيها‏.‏ قال‏:‏ فأتاه فزوجه إياها‏.‏

وبهذا سميت اللقيطة‏.‏ وهي أم حصن، ومالك، ومعاوية، وورد، وشريك، بني حذيفة‏.‏

وإياهم عنى زبان بن سيارٍ، بقوله‏:‏ الكامل

أعددتها لبني اللقيطة فوقه *** رمحٌ وسيفٌ صارم وشليل

انتهى كلام الأسود‏.‏

وما أورده في تسمية اللقيطة خلاف ما قاله السكري في شرح ديوان حسان بن ثابت، قال‏:‏ اللقيطة‏:‏ أم حصن بن حذيفة، كانت سقطت منهم في نجعة وهي صغيرة، فأخذت فسميت اللقيطة‏.‏

وكذا قال ياقوت في أنساب العرب، قال‏:‏ وحصن بن حذيفة، هو ابن اللقيطة، لأن قومها انتجعوا فسقطت، وهي طفل، فالتقطها قومٌ فردوها عليهم‏.‏ انتهى‏.‏ والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ إذن لقام بنصري إلخ، يأتي إن شاء الله الكلام على إعراب هذا البيت في إذن من نواصب الفعل‏.‏ وقام بالأمر‏:‏ تكفل به‏.‏ وخشن، بضمتين‏:‏ جمع خشن، وقيل‏:‏ جمع أخشن، وضمة الشين للإتباع‏.‏ والحفيظة‏:‏ الغضب في الشيء الذي يجب عليك حفظه‏.‏ واللوثة، بضم اللام‏:‏ الضعف، وهي الرواية الصحيحة، وبالفتح‏:‏ القوة والشدة‏.‏ والأول أسد؛ لأن مراده التعريض بقومه ليغضبو ويهتاجوا لنصرته‏.‏

وقوله‏:‏ قوم إذا الشر إلخ، الناجذ، بالجيم والذال المعجمة‏:‏ ضرس الحلم، زائد‏.‏ والناجذ‏:‏ مثل لاشتداد الشر، كما يقال‏:‏ كشر الحرب عن نابه كذا في شرح الطبرسي‏.‏

وقال غيره‏:‏ الناجذ‏:‏ أقصى الأضراس، كنى بإبدائه عن كشف الحال ورفع المجاملة‏.‏ واستعمال الناجذ للشر استعارة لاشتداد أمره‏.‏ وطاروا‏:‏ أسرعوا إلى دفعه ولم يتثاقلوا، والزرافة، بفتح الزاي، قال ابن جني في إعراب الحماسة‏:‏ معناها الجماعة، سميت بذلك للزيادة التي في الاجتماع والتضام‏.‏ ومنه التزريف، للزيادة في الحديث، يقال‏:‏ زرف في كلامه، أي‏:‏ زاد فيه‏.‏ ومنه الزرافة لطول عنقها وزيادته على المعتاد المألوف فيما قده قدها‏.‏ ووحدان‏:‏ جمع واحد، كصاحب وصحبان، بمعنى منفردين‏.‏

وقوله‏:‏ لا يسألون أخاهم إلخ، قال ابن جني‏:‏ ليس يندبهم هنا من الندبة التي هي التفجع، وإنما هي بمعنى الاشتغاثة‏.‏ غير أن أصلهما واحد، وهو ما اجتمعا فيه من معنى الخصوص والعناية‏.‏ والبرهان‏:‏ الدليل، فعلالٌ لا فعلان، لقولهم‏:‏ برهنت عليه، أي‏:‏ أقمت الدليل‏.‏ وأخو القوم‏:‏ الواحد منهم‏.‏ واستشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتقون‏}‏ على أن الأخ يطلق ويراد به الواحد من القوم كما في البيت‏.‏ وفي البيت تعريضٌ بقومه‏.‏

وقوله‏:‏ لكن قومي إلخ، يعني إن قومي، وإن كان فيهم كثرة عدد وعدةٍ ليسوا من فع الشر في شيء، وإن كان فيه خفة وقلة‏.‏ وفيه مطابقةٌ، حيث قابل الشرط بالشرط في الصدر والعجز، والعدد والكثرة بالهون والخفة‏.‏ ويريد أنهم يؤثرون السلامة ما أمكن، ولو أرادوا الانتقام لقدروا بعددهم‏.‏

وقوله‏:‏ يجزون من ظلم هذا البيت وما بعده استشهد بهما أهل البديع على النوع المسمى‏:‏ إخراج الذم مخرج المدح‏.‏ ونبه بالبيتين على أن احتمالهم إنما هو لاحتساب الأجر على زعمهم، فكأن الله لم يخلق لخوفه غيرهم‏.‏ وقوله‏:‏ سواهم استثناء مقدم من إنسان‏.‏

وقوله‏:‏ فليت لي بهم أورده ابن هشام في حرف الباء من المغني على أن الباء في بهم للبدلية‏.‏ وقال ابن جني‏:‏ ليست الإغارة هنا مفعولاً به، بل هي منتصبة على المفعول لأجله، أي‏:‏ شدوا للإغارة فرساناً وركباناً، أي‏:‏ في هذه الحال‏.‏ وقريط بن أنيف، بضم القاف وفتح الراء‏.‏ وأنيف، بضم الهمزة وفتح النون‏.‏ وهو شاعر إسلامي‏.‏ قاله الخطيب التبريزي في الحماسة‏.‏

وقد تتبعت كتب الشعراء وتراجمهم فلم أظفر له بترجمة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الطويل

بحوران يعصرن السليط أقاربه

وتقدم شرحه مفصلاً في الشاهد السادس والسبعين بعد الثلثمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع والخمسون بعد الخمسمائة

الطويل

مع الصبح ركبٌ من أحاظة مجفل

على أن اسم الجمع بعضه كالركب يجوز تذكيره وتأنيثه، وفي الشعر جاء مذكراً، فإنه عاد الضمير عليه من مجفل بالتذكير، ولو أنث لقيل‏:‏ مجفلة‏.‏ ومجفل صفة ثانية لركب‏.‏

وهذا عجز بيتٍ، وصدره‏:‏

فعبت غشاشاً ثم مرت كأنها

والبيت من القصيدة المشهورة بلامية العرب، للشنفرى‏.‏ وهذه أبياتٌ منها متصلة به‏:‏

وتشرب أسآري القطا الكدر بعدم *** سرت قرباً أحناؤها تتصلصل

هممت وهمت وابتدرنا وأسدلت *** وشمر مني فارطٌ متمهل

فوليت عنها وهي تكبو لعقره *** يباشره منها ذقونٌ وحوصل

كأن وغاها حجرتيه وحوله *** أضاميم من سفر القبائل نزل

توافين من شتى إليه فضمه *** كما ضم أذواد الأصاريم منهل

فعبت غشاشاً‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وقوله‏:‏ وتشرب أسآري إلخ، الأسآر، بفتح الهمزة‏:‏ جمع سؤر، وهو بقية الماء‏.‏

يريد أنه يسبق القطا إذا سايرها في طلب الماء لسرعته، فترد بعده وتشرب سؤره، مع أن القطا أسرع الطير وروداً‏.‏ وأسآري‏:‏ مفعول تشرب، والقطا‏:‏ فاعله، والكدر‏:‏ صفته‏.‏

والقطا ثلاثة أضرب‏:‏ أحدها كدريٌّ، وهي الغبر الألوان، الرقش الظهور، والبطون، والصفر الحلوق‏.‏

ثانيها‏:‏ جونيٌّ بضم الجيم، وهي سود الأجنحة والبطون، وهي أكبر من الكدر، وتعدل جونية بكدريتين، وهي منسوبة إلى الجونة، وهي الدهمة‏.‏ والكدري منسوبٌ إلى الكدرة، وهي الغبرة‏.‏

ثالثها‏:‏ غطاطٌ، وهي غبر البطون والظهور، سود بطون الأجنحة، طوال الأرجل والأعناق، لطاف الأجسام، لا تجتمع أسراباً، أكثر ما تكون ثلاث واثنين‏.‏ كذا في شرح أدب الكاتب لابن بري، واللبلي‏.‏

وسريت، إذا سرت في أول الليل؛ وأرسيت، إذا سرت في آخره‏.‏ وقيل‏:‏ بل هما لغتان‏.‏ والقرب، بفتح القاف والراء، قال الخطيب التبريزي في شرح القصيدة‏:‏ هو ورود الماء‏.‏ يقال‏:‏ قربت الماء أقربه، إذا وردته‏.‏ وليلة القرب‏:‏ ليلة ورود الماء‏.‏

وقال الزمخشري في شرحها‏:‏ قرباً‏:‏ حال من ضمير سرت‏.‏ والقرب‏:‏ السير إلى الماء بينك وبينه ليلة‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ قلت لأعرابي‏:‏ ما القرب‏؟‏ فقال‏:‏ سير الليل لورود الغد‏.‏ وقال الخليل‏:‏ القارب‏:‏ طالب الماء ليلاً، ولا يقال لطالب الماء نهاراً‏.‏ انتهى‏.‏ والأحناء‏:‏ جمع حنو، بكسر المهملة وسكون النون، هو الجانب‏.‏ ويتصلصل‏:‏ يصوت‏.‏

قال الخطيب‏:‏ وروايتي‏:‏ أحشاؤها وهو أجود عندي‏.‏ ويقال لليابس‏:‏ سمعت صلصلة، أي‏:‏ صوتاً من يبسه‏.‏

والصلصال‏:‏ الفخار‏.‏ يقول‏:‏ تتصلصل أجوافها من العطش ليبسها‏.‏

وقوله‏:‏ هممت وهمت إلخ، هممت أنا وهمت القطا‏.‏ وابتدرنا‏:‏ استبقنا‏.‏ وأسدلت‏:‏ أرخت جناحها وكفت عن الطيران لتعبها‏.‏

قال الخطيب‏:‏ وحفظي وابتدرنا وقصرت، يريد أن القطا عجزت عن العدو وهو لم يكل‏.‏ وشمر‏:‏ خف‏.‏ والفارط، بالفاء‏:‏ المتقدم‏.‏ والمتمهل‏:‏ المتأني‏.‏ وفيه مبالغةٌ وتجريد‏.‏

وقوله‏:‏ فوليت عنها إلخ، تكبو‏:‏ تتساقط القطا إلى عقر الحوض، أي‏:‏ تقرب منه‏.‏ والعقر، بضم العين المهملة وسكون القاف، هو مقام الساقي من الحوض، يكون فيه ما يتساقط من الماء عند أخذه من الحوض‏.‏ والذقون‏:‏ جمع ذقن في الكثرة، وأذقانٌ في القلة‏.‏ وحوصل‏:‏ جمع حوصلة‏.‏ يقول‏:‏ وردت وصدرت والقطا تكرع ثم تصدر، وكنت أسرع منها‏.‏

وقوله‏:‏ كأن وغاها حجرتيه إلخ، وغاها‏:‏ أصواتها‏.‏ والوغى، بالغين المعجمة والمهملة‏:‏ الصوت‏.‏ وحجرتيه، منصوب على الظرف، والضمير للعقر، أي‏:‏ مقام الساقي‏.‏ وحجرتاه‏:‏ ناحيتاه، مثنى حجرة، بفتح المهملة وسكون الجيم‏:‏ الناحية‏.‏ وحوله‏:‏ ظرف معطوف عليه، والضمير للعقر أيضاً‏.‏ وأضاميم‏:‏ خبر كأن على حذف مضاف، أي‏:‏ كأن وغاها وغى أضاميم، لأن التشبيه إنما هو بين الصوتين‏.‏ وأضاميم‏:‏ جمع إضمامة بالكسر، وهو القوم ينضم بعضهم إلى بعض في السفر‏.‏ ونزل‏:‏ جمع نازل صفة أضاميم‏.‏ أي‏:‏ يسمع لهذه القطا أصواتٌ كما يسمع أصوات هؤلاء عند نزولهم‏.‏

وقوله‏:‏ توافين من شتى إلخ، توافين‏:‏ اجتمعن، والضمير للقطا‏.‏ ومن شتى، أي‏:‏ من طرق مختلفة، جمع شتيت بمعنى مختلف‏.‏ وضمير إليه للعقر، وكذلك فاعل ضمها ضمير العقر‏.‏

وأذواد‏:‏ جمع ذود، وهو ما بين الثلاث إلى العشر من الإبل‏.‏ والأصاريم‏:‏ جمع أصرام بالفتح، وهو جمع صرم بالكسر، وهو القطعة من الإبل‏.‏ كذا قال الخطيب‏.‏

وقال غيره‏:‏ هو أبياتٌ مجتمعة من الأعراب‏.‏ والمنهل‏:‏ مورد الماء، وهو فاعل ضم، وأذواد‏:‏ مفعوله‏.‏

وقوله‏:‏ فعبت غشاشاً إلخ، عبت‏:‏ شربت بلا مصٍّ‏.‏ قال ثعلب‏:‏ عب يعب، إذا شرب الماء فصبه في الحلق صباً‏.‏ وقال الخطيب‏:‏ عبت‏:‏ تابعت الشرب، كأنها تعبيه في أجوافها، فيكون من التعبية‏.‏ وغشاشاً، بكسر الغين المعجمة بعدها شينان معجمتان‏.‏

قال الخطيب‏:‏ قال بعض أهل اللغة‏:‏ معناه على عجلة‏.‏ وقال غيره‏:‏ قليل وغير مريء‏.‏ والركب‏:‏ ركبان الإبل خاصة‏.‏ يقول‏:‏ وردت القطا على عجل ثم صدرت في بقايا من الظلمة في الفجر‏.‏ وهذا يدل على قوة سرعتها‏.‏

ومجفل، بالجيم‏:‏ مسرع، صفة ثانية لركب، ومن أحاظة صفة أولى‏.‏ وأحاظة، بضم الهمزة بعدها مهملة وظاء مشالة معجمة، قال الخطيب‏:‏ أحاظة فيما ذكر ثعلب‏:‏ قبيلة من الأزد‏.‏

وقال غيره‏:‏ هي قبيلة من اليمن‏.‏ ولم يعرفها المبرد، ولم أسمع باسمها إلا في هذا الشعر‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ وقال غيره إلخ، غير جيد، فإن الأزد من اليمن‏.‏

وقيل‏:‏ أحاظة موضع لا قبيلة‏.‏ قال البكري في معجم ما استعجم‏:‏ أحاظة‏:‏ بلد‏.‏ وأنشد هذا البيت، ثم قال‏:‏ وقد قيل‏:‏ إن أحاظة قبيلة من ذي الكلاع من حمير، وهو الصحيح‏.‏ انتهى‏.‏

وقد ذكره ابن الكلبي في جمهرة حمير، قال‏:‏ وأحاظة أخو ميتم بن سعد ابن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهيل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم ابن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ‏.‏

ثم ذكر أن قبائل ذي الكلاع ثلاثٌ وعشرون قبيلة، منهم ميتم وأخوه أحاظة‏.‏ ثم قال‏:‏ تكلع هؤلاء في الجاهلية على سميفع‏.‏

والتكلع في لغتهم‏:‏ التجمع‏.‏ وميتم، بفتح الميم وسكون المثناة التحتية وفتح المثناة الفوقية‏.‏

والشنفرى‏:‏ شاعرٌ جاهليٌّ تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والعشرين بعد المائتين‏.‏

باب المثنى

أنشد فيه،

الشاهد الثامن والخمسون بعد الخمسمائة

أحب منها الأنف والعينانا

على أن لزوم الألف المثنى في الأحوال الثلاثة لغة بني الحارث بن كعب، فإنهم يقلبون الياء الساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفاً، يقولون‏:‏ أخذت الدرهمان، واشتريت ثوبان، والسلام علاكم‏.‏ قال أبو حاتم والأخفش في شرح نوادر أبي زيد‏.‏

والبيت من رجز مسطورٍ في هذه النوادر، قال‏:‏ وأنشدني المفضل لرجل من بني ضبة، هلك مذ أكثر من مائة سنة‏:‏

إن لسعدى عندنا ديوان *** يخزي فلاناً وابنه فلانا

كانت عجوزاً عمرت زمان *** وهي ترى سيئها إحسانا

أعرف منها الأنف والعينان *** ومنخرين أشبها ظبيانا

ظبيان‏:‏ اسم رجل‏.‏

أراد‏:‏ منخري ظبيان، فحذف، كما قال عز وجل‏:‏ ‏{‏واسأل القرية‏}‏، يريد‏:‏ أهل القرية‏.‏ انتهى‏.‏

قال ابن جني في سر الصناعة‏:‏ من العرب من لا يخاف اللبس ويجري الباب على أصل قياسه، فيدع الألف ثابتةً في الأحوال، فيقول‏:‏ قام الزيدان، وضربت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهم بنو الحارث وبطنٌ من ربيعة‏.‏

وأنشدوا في ذلك‏:‏ الطويل

تزود منا بين أذناه ضربةً

وقال آخر‏:‏ الطويل

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى *** مساغاً لناباه الشجاع لصمما

وقال آخر‏:‏

أعرف منها الجيد والعينان *** ومنخرين أشبها ظبيانا

يريد‏:‏ العينين‏.‏ ثم إنه جاء بمنخرين على اللغة الفاشية‏.‏ وروينا عن قطرب‏:‏

خب الفؤاد مائل اليدان

وقال آخر‏:‏ الرجز

إن أباها وأبا أباه *** قد بلغا في المجد غايتاها

وفيها‏:‏ وعلى هذا يتوجه عندنا قراءة من قر‏:‏ إن هذان لساحران ‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏

إن لسعدى عندنا ديوانا

سعدى، بضم السين‏:‏ اسم امرأة‏.‏

قال السكري‏:‏ الديوان مكسور، ولذلك قالوا‏:‏ دواوين، مثل قيراط ودينار‏.‏ ولو كان ديوان بالفتح، لقالوا‏:‏ دياوين، ولأدغموا الواحد، فقالوا‏:‏ ديان، كما قالوا‏:‏ ديار‏.‏ انتهى‏.‏

قال ابن السيد‏:‏ الديوان اصله فارسي معرب، واستعملته العرب، وجعلوا كل محصل من كلامٍ وشعر ديواناً‏.‏ وفاعل يخزي ضمير الديوان‏.‏

وقوله‏:‏ كانت عجوزاً ، أي‏:‏ صارت عجوزاً‏.‏ وعمرت، بفتح العين وكسر الميم‏.‏

وقوله‏:‏ ومنخرين أشبها ظبيانا تقدم عن أبي زيد أن ظبيان اسم رجل، وأنه على تقدير مضاف، أي‏:‏ منخري ظبيان‏.‏

وزعم بعضهم كما نقله العيني أنه مثنى ظبي، على حذف مضاف، والتقدير‏:‏ أشبها منخري ظبيين‏.‏

وهذا وإن كان في نفسه صحيحاً إلا أن نقل أبي زيد يدفعه‏.‏

والمنخر، على وزن مسجد‏:‏ خرق الأنف، وأصله موضع النخير، وهو الصوت من الأنف، يقال‏:‏ نخر ينخر من باب قتل، إذا مد النفس في الخياشم‏.‏

والمنخر، بكسر الميم للإتباع لغة‏.‏ والمنخور كعصفور‏:‏ لغة طيئ‏.‏

وعرف من نقل أبي زيد أن الرواية‏:‏ أعرف منها الأنف لا‏:‏ أحب منها كما هو في الشرح‏.‏

وبنو الحارث بن كعب‏:‏ قبيلةٌ عظيمة من قبائل العرب من قحطان‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد التاسع والخمسون بعد الخمسمائة

إنا أباها وأبا أباه *** قد بلغا في المجد غايتاها

لما تقدم قبله‏.‏

والشاهد في غايتاها، وأبا أباها‏.‏ فيجوز أن يكون جاء على لغة القصر، يقال‏:‏ هذا أباك ومررت بأباك، فتكون الحركة مقدرة على الألف‏.‏

والبيتان نسبهما ابن السيد في أبيات المعاني لرجل من بني الحارث‏.‏

وقال العيني، وتبعه السيوطي في شرح أبيات المغني‏:‏ نسبهما الجوهري إلى أبي النجم، وأنشد قبلهما‏:‏

واهاً لريا ثم واهاً واه *** هي المنى لو أننا نلناها

يا ليت عينيها لنا وفاه *** بثمنٍ نرضي به أباها

إن أباها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ

وقد رجعت إلى الصحاح فلم أر إلا البيتين الأولين، ولم أر فيه ما أنشده الشارح هنا‏.‏

وقال العيني أيضاً وتبعه السيوطي‏:‏ أنشد أبو زيد في نوادره عن المفضل، قال‏:‏ أنشدني أبو الغول، لبعض أهل اليمن‏:‏

أي قلوص راكبٍ تراه *** شالوا علاهن فشل علاها

واشدد بمثنى حقبٍ حقواه *** ناجيةً وناجياً أباها

إن أباها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ

وقد رجعت إلى النوادر أيضاً فلم أر فيها هذين البيتين، وإنما أورد عن المفضل الأبيات الأربعة من قوله‏:‏ أي قلوص إلى قوله‏:‏ وناجياً أباها‏.‏ أوردها في موضعين من النوادر، ولم يزد على تلك الأربعة‏.‏ وقد شرحناها في الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة من باب الظروف‏.‏ والمجد‏:‏ الشرف‏.‏ وكان الظاهر أن يقول‏:‏ قد بلغا في المجد غايتيه، بضمير المذكر الراجع إلى المجد، لكنه أنث الضمير لتأويل المجد بالأصالة‏.‏ والمراد بالغايتين الطرفان من شرف الأبوين، كما يقال‏:‏ أصيل الطرفين‏.‏

وقال العيني‏:‏ المجد‏:‏ الكرم، والضمير لريا‏.‏

وهذا على ما ذكره الجوهري من أن قبل البيت‏:‏ واهاً لريا‏.‏ وأما على رواية أبي زيدٍ فيكون ضمير أباها للقلوص‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الستون بعد الخمسمائة

يا رب خالٍ لك في عرينه *** فسوته لا تنقضي شهرينه

شهري ربيعٍ وجماديينه

على أن نون التثنية قد تفتح كما في شهرينه وجماديينه، وكما في البيت السابق‏.‏

أعرف منها الأنف والعينانا

قال ابن جني في سر الصناعة‏:‏ قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد‏:‏

أعرف منها الأنف والعينانا

وروينا عن قطرب لامرأةٍ من فقعس

يا رب خالٍ لك من عرينه *** حج على قليصٍ جوينه

فسوته لا تنقضي شهرينه *** شهري ربيعٍ وجماديينه

وقد حكي أن منهم من ضم النون في نحو‏:‏ الزيدان والعمران‏.‏ وهذان من الشذوذ بحيث لا يقاس غيرهما عليهما‏.‏ انتهى‏.‏

وقيد ابن عصفور في كتاب ضرائر الشعر فتح النون بحالة النصب والخفض، وبحالة النصب فقط في لغة من ألزم المثنى الألف في جميع الأحوال‏.‏

وقد وجه أبو علي في كتاب الشعر فتح النون على وجوه‏.‏ قال‏:‏ أنشد أبو زيد‏:‏

أعرف منها الأنف والعينانا

تحريك النون بالفتح يحتمل غير وجه‏.‏ منها‏:‏ أن حركتها لما كانت لالتقاء الساكنين، ورأى التحريك في التقائهما في المنفصل والمتصل لا يحرك بضربٍ واحد من الحركة، جعل التثنية مثل ذلك‏.‏

ألا ترى أنهم قالوا‏:‏ رد، ورد، ورد، وقالوا‏:‏ عوض، وعوض، ونحو ذلك، فلم يلزموا في المتصل ضرباً واحداً من التحريك، فكذلك جعل نون التثنية بمنزلته‏.‏

ويجوز أن يكون شبه التثنية بالجمع، لما رآهم، يقولون‏:‏ مضت سنون، ويقولون‏:‏ مضت سنين، فيجعلون النون في الجمع حرف الإعراب، جعلها في التثنية كذلك‏.‏

ويجوز أن يكون شبه غير العلم بالعلم‏.‏ ألا ترى أن النحويين قد أجازوا في رجل يسمى بتثنيةٍ أن يجعلوا النون حرف الإعراب، فيقولون‏:‏ هذا زيدان وعمران، وكان القياس أن لا يعرى من شيءٍ يدل على التثنية، كما أنه إذا سمي بجمعٍ بالألف والتاء لم يعروه مما يدل على حكاية ذلك‏.‏

إلا أنهم لما قالوا السبعان في الاسم المخصوص فلم يبقوا شيئاً يدل على حكاية التثنية جاز على ذلك تغيير ما سمي بتثنية‏.‏

وقد حكى البغداديون تحريك نون التثنية بالفتح إذا وقعت بعد ياء‏.‏ وأنشدوا‏:‏ الطويل

على أحوذيين

ويشبه أن يكونوا شبهوا التثنية بالجمع‏.‏

فكما فتحوا النون بعد الياء في الجمع، كذلك فتحوا ما بعد الياء في التثنية، وهذا مما يقوي، فتح النون في قوله‏:‏ العينانا‏.‏

ألا ترى أنه ليس يلزمها على رأيهم وعلى ما أنشدوه حركةٌ واحدة‏.‏ وما عليه الجمهور أولى من جهة القياس أيضاً، وهو الأكثر في الاستعمال‏.‏ وذلك أن هذه الياء لا تلزم الكلمة‏.‏

وقد وجدت من الحروف ما لا يقع به الاعتداد لما لم يلزم‏.‏ فالياء في هذا الموضع ليست بلازمة‏.‏

ألا ترى أن منهم من يجعلها في جميع الأحوال ألفاً‏.‏ وقد حذفوا هذه النون في غير الإضافة، كما يحكى عن الكسائي أنه أنشد‏:‏ مجزوء الرجز

يا حب قد أمسين *** ولم تنام العينا

أراد‏:‏ العينان، فحذف النون‏.‏

وقوله‏:‏ إن عمي اللذا أشبه شيئاً، لأن الاسم قد طال بالصلة‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ يا رب خالٍ إلخ، يا‏:‏ حرف تنبيه، ورب، والعامل في محل مجرورها حج‏.‏ وعرينة، بضم العين وفتح الراء المهملتين‏:‏ قبيلة باليمن‏.‏

وقوله‏:‏ حج على قليص إلخ، حذفه الشارح المحقق، لعدم تعلق غرضه به‏.‏ وإنما ذكر البيت الأول وإن كان مثل الثاني، ليعلم منه فتح النون في البيتين الآخرين، إذ لولا ذكره، لربما ظن أن النون فيهما مكسورة، كقول الراجز‏:‏ الرجز

قل لخليليك وتحسنانه *** هل أنتما العيش ملبثانه

في دار حيٍّ حيث تعلمانه *** إن لا تقولون فتحسنانه

وقليص‏:‏ مصغر قلوص، وهي الناقة الشابة‏.‏ وجوينة‏:‏ مصغر جون بفتح الجيم‏.‏ والجون من الخيل ومن الإبل‏:‏ الأدهم الشديد السواد‏.‏

قوله‏:‏ فسوته لا تنقضي إلخ، الفسوة، بالفتح‏:‏ ريح يخرج بغير صوت يسمع‏.‏ وهو على حذف مضاف، أي‏:‏ نتن فسوته لا ينقضي في هذه المدة، ففسوته تشبه فسوة الظربان‏.‏

والظربان، بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر الراء بعدها موحدة، وهي دويبة كالهرة منتنة الريح، تزعم العرب أنها تفسو في ثوب أحدهم إذا صادها، فلا تذهب رائحته حتى يبلى الثوب‏.‏

وقد ضرب بها الأمثال، يقال‏:‏ أنتن من ظربان ، وأفسى من ظربان ، وفسا بينهم الظربان ، إذا تقاطع القوم وتهاجروا‏.‏ وتنقضي‏:‏ تذهب شيئاً فشيئاً‏.‏ شهرين منصوب على الظرف وعامله تنقضي، وهو مثنى شهر، وفتح النون شذوذاً، والهاء بعدها للسكت أتي بها لبيان الفتحة، فإنها قد يبين بها حركة نون الاثنين مكسورة ومفتوحة، ويبين بها حركة نون الجمع أيضاً، كقوله‏:‏ الرجز

قد صبحت بالأمس ماء لينه *** يحفها م القوم أربعونه

حاليةً كاسيةً دهينه

قوله‏:‏ شهري ربيع إلخ، بدل من شهرينه‏.‏ وجماديينه‏:‏ معطوف على شهري، لا على ربيع، لوجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه لا يقال شهر جمادى فإن لفظ شهر لا يضاف إلا لما في أوله راء كشهر ربيع وشهر رجب وشهر رمضان، كما هو المشهور‏.‏

ثانيهما‏:‏ لئلا يفسد المعنى، فإنه لو عطف على ربيع لاقتضى أن البدل أربعة أشهر، والمبدل منه شهران، وهذا خلف من القول، فعطفه على البدل يفيد أن عدم الانقضاء في أربعة أشهر‏:‏ شهري ربيع وجماديين، وهو مثنى جمادى، بضم الجيم وقصر آخره، فلما ثني قلبت الألف ياء، كقولك‏:‏ فتيان في تثنية الفتى‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الحادي والستون بعد الخمسمائة

ليثٌ وليثٌ في محلٍّ ضنك *** كلاهما ذو أشرٍ ومحك

على أن أصل المثنى العطف بالواو، فلذلك يرجع إليه الشاعر في الضرورة كما هنا، فإن القياس أن يقول‏:‏ ليثان، لكنه أفردهما وعطف بالواو لضرورة الشعر‏.‏

قال ابن الشجري في أماليه‏:‏ التثنية والجمع المستعملان أصلهما التثنية والجمع بالعطف، فقولك‏:‏ جاء الرجلان ومررت بالزيدين أصله جاء الرجل والرجل، ومررت بزيد وزيد، فحذفوا العاطف والمعطوف وأقاموا حرف التثنية مقامهما اختصاراً‏.‏

وصح ذلك لاتفاق الذاتين في التسمية بلفظ واحد‏.‏ فإن اختلف لفظ الاسمين رجعوا إلى التكرير بالعاطف، كقولك‏:‏ جاء الرجل والفرس، غذ كان ما فعلوه من الحذف في المتفقين يستحيل في المختلفين‏.‏

ولما التزموه في تثنية المتفقين ما ذكرنا من الحذف، كان التزامه في الجمع مما لا بد منه ولا مندوحة عنه، لأن حرف الجمع ينوب عن ثلاثة فصاعداً إلى ما لا يدركه الحصر‏.‏

ويدلك على صحة ما ذكرته أنهم ربما رجعوا إلى الأصل في تثنية المتفقين وما فويق ذلك من العدد، فاستعملوا التكرير بالعاطف إما للضرورة، وإما للتفخيم‏.‏ فالضرورة، كقول القائل‏:‏ الرجز

كأن بين فكها والفك

أراد أن يقول‏:‏ بين فكيها، فقاده تصحيح الوزن والقافية إلى استعمال العطف‏.‏

ومثله فيما جاوز الاثنين قول أبي نواس‏:‏

أقمنا بها يوماً ويوماً وثالث *** ويوماً له يوم الترحل خامس

فإن استعملت هذا في السعة فإنما تستعمله لتفخيم الشيء الذي تقصد تعظيمه، كقولك‏:‏ لمن تعنفه بقبيحٍ تكرر منه، وتنبهه على تكرير عفوك‏:‏ قد صفحت عن جرمٍ وجرمٍ وجرم وجرم، كقولك‏:‏ لمن يحقر أيادي أسديتها إليه، وينكر ما أنعمت به عليه‏:‏ قد أعطيتك ألفاً وألفاً وألفاً‏.‏ فهذا أفخم في اللفظ، وأوقع في النفس، من قولك‏:‏ قد صفحت لك عن أربعة أجرام، وقد أعطيتك ثلاثة آلاف‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا الشعر لواثلة بن الأسقع، أورده له الكلاعي في السيرة النبوية في وقعة مرج الروم، قال‏:‏ كان واثلة بن الأسقع في خيل قيس بن هبيرة، في جيش خالد بن الوليد، فخرج بطريق من كبارهم فبرز له واثلة، وهو يقول في حملته‏:‏

ليثٌ وليثٌ في مجالٍ ضنك *** كلاهما ذو أنفٍ ومحك

أجول جول حازمٍ في العرك *** ويكشف الله قناع الشك

مع ظفري بحاجتي ودركي

ثم حمل على البطريق فقتله‏.‏

وأورد الجاحظ تتمته وقصته في كتاب المحاسن والمساوي لجحدر بن مالك الحنفي على غير هذا الوجه، قال‏:‏ كان باليمامة رجلٌ من بني حنيفة يقال له‏:‏ جحدر بن مالك، وكان لسناً فاتكاً شاعراً، وكان قد أفحش على أهل هجر وناحيتها، فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف، فكتب إلى عامل اليمامة يوبخه في تلاعب جحدرٍ به، ثم يأمره بالتجرد في طلبه حتى يظفر به‏.‏

فبعث العامل إلى فتيةٍ من بني يربوع بن حنظلة، فجعل لهم جعلاً عظيماً إن هم قتلوا جحدراً، وأتوا به، ووعدهم أن يوفدهم إلى الحجاج ويسني فرائضهم، فخرج الفتية في طلبه حتى إذا كانوا قريباً منه بعثوا إليه رجلاً منهم يريه أنهم يريدون الانقطاع إليه‏.‏ فوثق بهم، واطمأن إليهم‏.‏

فبيناهم على ذلك إذ شدوه وثاقاً، وقدموا به إلى العامل فبعث به معهم إلى الحجاج، فلما قدموا به على الحجاج، قال له‏:‏ أنت جحدر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ما حملك على ما بلغني عنك‏؟‏ قال‏:‏ جرأة الجنان، وجفوة السلطان، وكلب الزمان قال‏:‏ وما الذي بلغ من أمرك فيجترئ جنانك، ويصلك سلطانك، ولا يكلب عليك زمانك‏؟‏ قال‏:‏ لو بلاني الأمير لوجدني من صالحي الأعوان، وبهم الفرسان ومن أوفى على أهل الزمان‏.‏

قال الحجاج‏:‏ أنا قاذفك في قبة فيها أسد، فإن قتلك كفانا مؤنتك، وإن قتلته خليناك ووصلناك‏.‏ قال‏:‏ قد أعطيت - أصلحك الله - المنية، وعظمت المنة، وقربت المحنة‏.‏ فأمر به فاستوثق منه بالحديد، وألقي في السجن، وكتب إلى عامله بكسكر يأمره أن يصيد له أسداً ضارياً‏.‏

فلم يلبث العامل أن بعث له بأسد ضاريات، قد أبزت على أهل تلك الناحية ومنعت عامة مراعيهم ومسارح دوابهم، فجعل منها واحداً في تابوت يجر على عجلة، فلما قدموا به أمر فألقي في حيزٍ، وأجيع ثلاثاً، ثم بعث إلى جحدر فأخرج وأعطي سيفاً ودلي عليه، فمشى إلى الأسد، وأنشأ يقول‏:‏

ليثٌ وليثٌ في مجال ضنك *** كلاهما ذو أنفٍ ومحك

وصولةٍ في بطشه وفتك *** إن يكشف الله قناع الشك

وظفراً بجؤجؤٍ وبرك *** فهو أحق منزلٍ بترك

الذئب يعوي والغراب يبكي

حتى إذا كان منه على قدر رمح، تمطى الأسد وزأر، وحمل عليه، فتلقاه جحدرٌ بالسيف فضرب هامته ففلقها، وسقط الأسد كأنه خيمةٌ قوضتها الريح‏.‏

ولم يلبث جحدرٌ لشدة حملة الأسد عليه، مع كونه مكبلاً، أن وقع على ظهره متلطخاً بالدم‏.‏ وعلت أصوات الجماعة بالتكبير، وقال له الحجاج لما رأى منه ما هاله‏:‏ يا جحدر، إن أحببت أن ألحقك ببلادك وأحسن جائزتك فعلت ذلك بك، وإن أحببت أن تقيم عندنا أقمت فأسنينا فريضتك‏.‏

فقال‏:‏ أختار صحبة الأمير‏.‏ ففرض له ولجماعة أهل بيته، وأنشأ جحدرٌ، يقول‏:‏ الكامل

يا جمل إنك لو رأيت بسالتي *** في يوم هيجٍ مردفٍ وعجاج

وتقدمي لليث أرسف نحوه *** حتى أكابره عن الأحراج

جهمٌ كأن جبينه لما بد *** طبق الرحا متفجر الأثباج

يرنو بناظرتين يحسب فيهم *** من ظن خالهما شعاع سراج

شثنٍ براثنه كأن نيوبه *** زرق المعابل وشذاة زجاج

وكأنما خيطت عليه عباءةٌ *** برقاء وخلقٌ من الديباج

قرنان محتضران قد ربتهم *** أم المنية غير ذات نتاج

وعلمت أني إن أبيت نزاله *** أني من الحجاج لست بناج

فمشيت أرسف في الحديد مكبل *** بالموت نفسي عند ذاك أناجي

هذا ما أورده الجاحظ‏.‏

وقد أورد ابن الشجري في أماليه هذه الحكاية مختصرة لجحدر المذكور، مع أربعة أبيات من الرجز ولم يذكر هذه الأبيات‏.‏

وأخرج السيوطي في بحث رب من شرح شواهد المغني هذه الحكاية بنحو ما ذكره ابن الشجري عن المعافي بن زكريا، وابن عساكر في تاريخه بسند متصل عن ابن الأعرابي، وعن الزبير بن بكار في الموفقيات‏.‏

ولم يورد السكري في كتاب اللصوص شيئاً مما أورده الجاحظ، مع أنه استوعب أحوال اللصوص وأشعارهم في كتابه، وأورد له أشعاراً كثيرة جيدة‏.‏

وقوله‏:‏ ليثٌ وليثٌ إلخ، الليث‏:‏ الأسد‏.‏ والضنك‏:‏ الضيق‏.‏ والأشر، بفتحتين، البطر‏.‏

وروى بدله‏:‏ ذو أنف ، بفتح الهمزة والنون، بمعنى الاستنكاف‏.‏ والمحك، بفتح الميم وسكون الحاء المهملة‏:‏ اللجاج‏.‏ والحازم من الحزم، وهو التثبت والتيقظ‏.‏ والعرك، بفتح العين وسكون الراء المهملتين‏:‏ الحرب، والمعركة موضعه‏.‏

وقوله‏:‏ ويكشف الله إلخ، وهنا بمعنى إلى‏.‏ والظفر‏:‏ الغلبة‏.‏ والدرك‏:‏ الوصول‏.‏ والجؤجؤ في شعر جحدر، بجيمين وهمزتين، على وزن قنفذٍ‏:‏ الصدر‏.‏ والبرك، بفتح الموحدة وسكون الراء‏:‏ ما حول الصدر‏.‏

وقوله‏:‏ كأنه خيمة قوضتها الريح ، رواه ابن الشجري‏:‏ كأنه أطمٌ مقوض، وقال‏:‏ الأطم، بضمتين‏:‏ الحصن‏.‏ والمقوض‏:‏ من قوضت البناء، إذا نقضته من غير هدم‏.‏ والمكبل‏:‏ المقيد، والكبل، بفتح الكاف وكسرها مع سكون الموحدة‏:‏ القيد الثقيل‏.‏

وقوله‏:‏ يا جمل إنك لو رأيت بسالتي إلخ، جمل، بضم الجيم وسكون الميم‏:‏ اسم امرأة‏.‏ والبسالة‏:‏ الشجاعة‏.‏ وأرسف‏:‏ أمشي بالقيد، يقال‏:‏ رسف في قيده، من باب ضرب وقتل‏.‏ والجهم‏:‏ العبوس‏.‏ والأثباج‏:‏ جمع ثبج، بفتح المثلثة والموحدة، وهو ما بين الكاهل إلى الظهر‏.‏ ويرنو‏:‏ ينظر‏.‏ وشثن بمعنى خشن‏.‏ والبراثن‏:‏ جمع برثن كقنفذ، وهو ظفر السبع‏.‏ والنيوب‏:‏ جمع نابٍ، وهي السن‏.‏ وزرق‏:‏ جمع أزرق‏.‏ والمعابل‏:‏ جمع معبلة بكسر الميم، وهو نصل طويل عريض‏.‏ والشذاة، بفتح الشين والذال المعجمتين‏:‏ الطرف‏.‏ والزجاج، بالكسر‏:‏ جمع زجٍّ بضم الزاي، وهي الحديدة التي في أسفل الرمح‏.‏ والقرنان‏:‏ مثنى قرن بالكسر، وهو المساوي لصاحبه في الشجاعة وغيرها‏.‏ وواثلة بن الأسقع، بالمثلثة والقاف، هو من الصحابة، قال ابن الأثير في أسد الغابة في أسماء الصحابة‏:‏ واثلة بن الأسقع بن عبد العزى الكناني الليثي، وقيل‏:‏ واثلة بن عبد الله بن الأسقع‏.‏ أبو شداد، وقيل‏:‏ أبو الأسقع، وقيل‏:‏ أبو قرصانة‏.‏ أسلم وخدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين‏.‏ من أصحاب الصفة‏.‏ وله رواية‏.‏ مات سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مائة، وقيل‏:‏ مات سنة خمس وثمانين وهو ابن ثمان وتسعين سنة‏.‏ وتوفي بالمقدس وقيل‏:‏ بدمشق‏.‏ وكان قد عمي‏.‏ انتهى‏.‏

ووقعة مرج الروم كانت بعد سنة خمس عشرة من الهجرة بعد فتح الشام، في خلافة عمر بن الخطاب‏.‏ فلا شك أن واثلة أقدم من جحدر، ويكون جحدر قد أخذ الشعر من واثلة وزاده‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده